Friday, May 24, 2013

العدالة في ليبيا ما بعد القذافي

Middle East/North Africa Report N°14017 Apr 2013

الملخص التنفيذي والتوصيات 

هناك العديد من العلاجات الضرورية لانعدام الأمن المستشري في ليبيا، إلاّ أنه لا يوجد ما هو أكثر إلحاحاً من إصلاح النظام القضائي. ضحايا حقبة القذافي، الذين لا يثقون في جهاز يعتبرونه قديماً ومتهالكاً، يتولون زمام أمورهم بأنفسهم؛ فبعض الجماعات المسلحة، المتشككة في قدرة الدولة على تنفيذ العدالة، تقوم وبشكل اعتباطي باحتجاز وتعذيب أو اغتيال أشخاص تفترض أنهم موالون للقذافي؛ جماعات أخرى، تستغل انعدام النظام، وتمارس العنف لأهداف سياسية أو إجرامية. كل هذا يولّد مظالم جديدة، ويسهم في المزيد من تقويض الثقة بالدولة. إن كسر هذه الحلقة المفرغة يتطلب إجراءات على جبهات متعددة، مثل إحقاق العدالة لضحايا النظام السابق بإصلاح الجهاز القضائي والشروع في العدالة الانتقالية، وتحديد الموالين للنظام السابق الذين ارتكبوا جرائم، وفي نفس الوقت تجنّب المطاردات والمضايقات غير القانونية، ولجم الجماعات المسلّحة، بما في ذلك تلك التي تعمل تحت مظلة الدولة. ما لم يكن هناك رسالة واضحة مفادها أن ثمة عملية جارية لإصلاح النظام القضائي وأنه لن يتم التسامح بأي حالة من حالات العنف أو الإساءات التي ارتكبت في الماضي من قبل مسؤولين في حقبة القذافي أو في الوقت الراهن من قبل المجموعات المسلحة، ثمة مخاطرة حقيقية في تصاعد عمليات الاغتيال، والعنف في المدن والصراعات بين القبائل. 

لقد مضى أكثر من عام على الإطاحة بنظام القذافي وحتى الآن ليس هناك نظام محاكم يعمل بشكل معقول في العديد من أنحاء البلاد، في حين أن الجماعات المسلحة تستمر في إدارة السجون وتطبيق الأشكال الخاصة بها من العدالة. إن العيوب والنواقص الحادة التي تعتري النظام القضائي الحالي لها جذور عميقة، أولاً وقبل كل شيء، في نواقص وعيوب النظام التي أتت من حيث المبدأ لتحل محله. في ظل حكم القذافي، كان النظام القضائي يعاني من تسييس التعيينات، واستشراء الفساد واستعمال الوسائل غير القانونية لاستهداف الخصوم السياسيين. إن أربعة عقود من ممارسة العدالة الاعتباطية تشكّل خلفية حافلة بالأعباء لجهود الحكومة الجديدة؛ التي تواجَه بالخيار بين الفصل الجماعي للمسؤولين القضائيين الذين عملوا في ظل حكم القذافي أو غربلتهم والتحقق من خلفياتهم وأدائهم واحداً بعد الآخر، وقد اختارت السلطات الجديدة حتى الآن الخيار الأخير. في حين أن هذا كان قراراً سليماً، إلاّ أنه أسهم في تشكك الجمهور في نطاق التغيير. 

وقد أسهم في تعقيد الوضع انتشار وتكاثر الجماعات المسلّحة. نظراً لتشكك ما يسمى بكتائب الثوار ـ وفي بعض الأحيان العصابات الإجرامية التي تنكّرت في لباس الثوار ـ بالنظام القضائي الموروث من حقبة القذافي وبالشرطة، وبسبب الإحباط الذي تشعر به من الإيقاع البطيء للمحاكمات ضد المسؤولين السابقين، وفي مواجهة عناصر أمن في حالة من التشرذم، ونظراً لشعورها بالجرأة بسبب القوة الجديدة التي اكتسبتها، فإنها تعمل فوق القانون، وتعيق عمل المحققين والقضاة. جميعها تضطلع بدور الشرطة، والمدعين العامين، والقضاة والسجانين. الكتائب المسلحة تنشئ وحدات تحقيق واعتقال وتضع قوائم بالأشخاص المطلوبين؛ وتقيم نقاط التفتيش أو تقتحم بيوت الناس لاعتقال خارجين مفتَرضين عن القانون أو أشخاص يُشَك بأنهم يساعدون النظام القديم؛ وفي بعض الأحيان تدير مراكز اعتقال خاصة بها في مقراتها، وفي مزارع معزولة أو في مباني حكومية سابقة استولت عليها. هناك آلاف الأشخاص بين أيدي هذه الكتائب، خارج الإطار القانوني الرسمي ودون الاستعانة بمراجعة قضائية أو اتباع الإجراءات القضائية اللازمة. وقد ألقت الاغتيالات والهجمات المتصاعدة على قوات الأمن الحكومية ظلالاً قاتمة على هذه الصورة. 

كل ما سبق ذكره يعتبر من العلامات المميزة للحلقة المفرغة: نفاد الصبر من إيقاع العدالة، والتشكك بشكل عام، يشجع الجماعات المسلحة ويزيدها جرأة؛ وفي نفس الوقت فإن زيادة نشاطها تقوض قدرة الدولة على العمل، بما في ذلك في مسائل القانون والنظام؛ وهذا بدوره يضفي مصداقية على مزاعم الجماعات المسلحة بأن من واجبها ملء الفراغ. 

ثمة رؤيتان متعارضتان بشأن هذا الوضع سواء فيما يتعلق بمصدر المشكلة أو بطبيعة علاجها. البعض ـ ومن بينهم حكومة رئيس الوزراء علي زيدان ـ ينظرون إلى الجماعات المسلحة بوصفها سبباً رئيسياً من أسباب ارتفاع حدة العنف؛ ويدعون إلى تفككيها أو استيعابها في جهاز الأمن الرسمي ونقل المحتجزين لديها إلى سلطة الدولة. آخرون، بمن فيهم الكتائب نفسها، ينظرون إلى نشاط الجماعات المسلحة بوصفه ضرورياً في ضوء تعطل مؤسسات الدولة واستمرار نفوذ المسؤولين من حقبة القذافي. تتم ترجمة هاتين الروايتين المتعارضتين إلى مقاربات مختلفة حيال الجهاز القضائي: بين مقاربة الحكومة الحذرة لاستئصال المسؤولين السابقين على أساس كل حالة على حدى ودعوة الكتائب إلى طرد جميع الموالين وبالجملة. بالنسبة للعديد من الليبيين، الذين يشعرون بالإحباط من أن شيئاً كثيراً لم يتغير، فإن المقاربة الأخيرة تحظى بالدعم. 

السياسات الحكومية المتناقضة حيال الجماعات المسلحة تفسر جزئياً وجود مثل هذا الاستقطاب في الآراء. المجلس الوطني الانتقالي، أول هيئة حاكمة بعد القذافي، تعهّد ببناء نظام قضائي جديد قائم على سيادة القانون. رغم ذلك، فإنه شجع في نفس الوقت تعزيز قوة الكتائب، ومنح الاعتراف الرسمي بعدد كبير من الجماعات المسلحة التي كانت تقوم بأعمال الشرطة بنفسها. كما وفر لهم الحصانة من الجرائم التي يمكن المجادلة بأنها ارتكبت دفاعاً عن الثورة. خليفة المجلس الوطني الانتقالي، أي المؤتمر الوطني العام ـ حذا حذوه جزئياً، وأقر الجهود التي تبذلها الجماعات المسلحة المرتبطة بالحكومة لاعتقال الأشخاص المشكوك فيهم دون اتباع الإجراءات المعتادة. 

بالنظر إلى هذا الواقع، فإن حكومة زيدان، التي عُيّنت في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، تستحق الإشادة لأنها تحاول وقف هذا المد. لقد أعلن هو ووزير العدل في حكومته أنه لن يكون هناك أي تسامح مع حالات الحجز الاعتباطي أو الاغتيالات الانتقامية وجعلا من نقل الأشخاص المحتجزين عشوائياً إلى سلطة الدولة أولوية لهما. لقد أفرغت قوات أمن الدولة عدة مراكز اعتقال غير قانونية في العاصمة وأصدرت الهيئة التشريعية قانوناً يجرّم التعذيب والاختطاف. 

إلا أن هذا لا يزال عملاً قيد الانجاز، كما أن ميزان القوى لا يميل بشكل حاسم لصالح الحكومة. إذا لم تتم معالجة هذه القضية بعناية، وخصوصاً إذا لم تعالج المظالم المشروعة فيما يتعلق ببطء محاكمة الجرائم المرتكبة في عهد القذافي، فإن مواجهة الكتائب يمكن أن تحدث أثراً عكسياً. 

ثمة أدلة بدأت تظهر على ذلك، فقد تعرضت وزارة العدل ومكتب رئيس الوزراء للهجمات وتُهدد الجماعات المسلحة بالاستيلاء على السجون الواقعة حالياً تحت سيطرة الحكومة. 

إن القيام بهذه العملية بشكل صحيح يتطلب القيام بعدة مهام سياسية متزامنة. ينبغي على الحكومة أن تظهر علامات واضحة على أنها تعالج مواطن الخلل والقصور الموروثة من الماضي من أجل استعادة الثقة في النظام القضائي وقوات الأمن. وتعتبر المتابعات القضائية الجنائية ضد المسؤولين رفيعي المستوى من حقبة القذافي خطوة هامة، إلا أنها لن تكون كافية. ما ينبغي القيام به هو عملية شاملة للعدالة الانتقالية تتضمن، إضافة إلى المحاكمات الجنائية، آليات دراسة وتدقيق سليمة للموالين السابقين للقذافي وتشكيل لجان حقيقة ومصالحة. وفي نفس الوقت، ينبغي أن تخضع الجماعات المسلحة ـ حتى تلك التي يعتبر أعضاءها من أبطال الثورة ـ للمساءلة عن أعمالهم أيضاً؛ ينبغي أن يسير تحقيق العدالة لضحايا جرائم الأمس يداً بيد مع تحقيق العدالة لضحايا اليوم.

التوصيات 

لاستعادة الثقة في النظام القضائي وضمان المساءلة

إلى المجلس القضائي الأعلى:

1.  مراجعة مشروع القانون المتعلق بالجهاز القضائي لضمان ألاّ تكون آليات الدراسة والتدقيق قائمة على الانتماء السياسي وذلك بتقديم الأمور الآتية، بين أمور أخرى:

آ) تشكيل لجنة مستقلة تكون مهمتها دراسة خلفيات موظفي الجهاز القضائي والتدقيق في نزاهتهم؛

ب) أن تكون العملية شفافة وأن يكون بوسع القضاة الذين يساء إليهم الاستئناف؛

ج‌) يصرف القضاة من الخدمة على أساس مراجعة عادلة لأدائهم ومؤهلاتهم وليس فقط على أساس خدمتهم في "المحاكم الخاصة" في عهد القذافي.

إلى وزارة العدل:

2.  إطلاق عملية دراسة وتحقيق، على وجه السرعة، لوضع حد لعمليات الاحتجاز العشوائي.

3. إعادة تفعيل المحاكم غير العاملة حالياً، وفي المناطق التي لا يزال يسود فيها انعدام الثقة حيال قضاء الدولة ما أدى إلى إغلاقها، التواصل مع الجماعات المسلحة المحلية، والوجهاء والمجالس المحلية للتشجيع على قدر أكبر من الحوار حول النظام القضائي للدولة.

4. التواصل مع المواطنين العاديين من خلال وسائل الإعلام وجماعات المجتمع المدني لشرح النظام القضائي الحالي واستعادة الثقة فيما لا يزال كثيرون يعتبرونه أحد رموز حقبة القذافي.

إلى المؤتمر الوطني العام:

5.  وضع مشروع قانون حول الجهاز القضائي، كما وُصف أعلاه، بحيث تتم دراسة خلفيات وأداء القضاة من قبل لجنة مستقلة، واستعمال هذه العملية، وليس قانون الإقصاء الإداري والسياسي، كأداة رئيسية لاستئصال الأعضاء الفاسدين والملطخين في الجهاز القضائي.

6.  الموافقة على مشاريع القوانين المتعلقة بالعدالة الانتقالية وقصر الصلاحيات العسكرية على أفراد القوات المسلحة.

إلى مكتب النائب العام:

7.  ضمان احترام جميع التحقيقات والمحاكمات الجنائية، بما فيها محاكمات مسؤولي النظام السابق، للإجراءات المتّبعة وأن يتم القيام بها بشكل ينسجم مع قانون المحاكمات الجنائية. 

إلى الحكومات التي تعهدت بدعم برامج سيادة القانون والعدالة الانتقالية في ليبيا، وبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، والاتحاد الأوروبي والمنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في البلاد:

8.  تقديم المساعدة التقنية والتدريب للجنة المصالحة وتقصي الحقائق ولجانها الفرعية ودعم جهود منظمات المجتمع المدني لتوثيق الانتهاكات السابقة وحديثة العهد.

للمساعدة على لجم الجماعات المسلحة

إلى المؤتمر الوطني العام:

9.  تعديل القانون 38/2012 لتوضيح أن مرتكبي جرائم مثل التعذيب، والقتل والاغتصاب المرتكبة أثناء وبعد حرب عام 2011 لن يمنحوا الحصانة القانونية.

إلى مكتب النائب العام:

10  إخضاع أفراد الجماعات المسلحة للمساءلة عن أعمالهم، خصوصاً تلك التي تنطوي على التعذيب والقتل اثناء الاعتقال.

إلى وزارة الداخلية ووزارة الدفاع:

11.  منع الأفراد والجماعات المسلحة المسؤولة عن جرائم خطيرة من تسلّم المناصب القيادية في أجهزة أمن الدولة.

12.  ضمان أن توقف وحدات اللجنة الأمنية العليا، ودرع ليبيا وغيرها من الجماعات المسلحة العاملة بموافقة الحكومة ممارسة اعتقال الأشخاص ومداهمة المنازل أو المكاتب دون إذن قضائي أو أدلة على انتهاك القانون.

13.  ضمان أن تكون الوحدات الأمنية الرسمية وحدها مخوّلة باعتقال ما يسمى بالأشخاص المطلوبين وأن تلتزم تلك الوحدات بصرامة بالإجراءات المتبعة. 

طرابلس/بروكسل، 17 نيسان/ابريل 2013

No comments:

Post a Comment